قضية الصحراء المغربية مشكلة جزائرية داخلية

<>

اطلعت باهتمام كبير على ما أوردته وكالة الأنباء الإسبانية حول تصريحات زعيمة الحزب العمالي الجزائري، لويزا حنون، بخصوص موقف حكومة بلادها من قضية الصحراء المغربية·
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تطرح فيها هذه المناضلة الجزائرية هذا الموقف، فقد سبق أن طرحته مرات في تدخلاتها بالبرلمان الجزائري·
غير أن إثارة الموضوع من جديد، في هذه الظرفية، التي صعدت فيها القيادة العسكرية الجزائرية من موقفها تجاه المغرب، تعبر عن وعي عميق بالإشكالية المطروحة، أولا، داخل الجزائر، وثانيا، في المغرب ، وثالثا في منطقة المغرب العربي·
ففي الجزائر، تختصر السياسة الخارجية لهذا البلد في قضية الصحراء والإساءة للمغرب· بل إن الأمر وصل ببلد عربي شقيق إلى التحالف مع يمين إسبانيا الفاشي، ممثلا في الحزب الشعبي الإسباني بزعامة خوسي ماريا اثنار، فقط بهدف تطويق بلادنا التي دخلت في نزاع مع إسبانيا حول جزيرة تورة· ولا يمكن للجزائر أن تجد أي تبرير لهذا الموقف المخزي، مثلما تحاول أن تجد تبريرا لموقفها من قضية الصحراء بحجة أنها تدافع عن مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها·
لذلك فإن إثارة لويزا حنون لموقف بلادها من قضية الصحراء، تهدف إلى مساءلة الدولة الجزائرية عن مشروعها المجتمعي الذي يختزل الآن في هيمنة العسكر على الحكم، وتطويع المجتمع لإرادته ، وإسكات أصوات المعارضة، وخدمة الأهداف الاستعمارية في منطقة المغرب العربي·
وهذا ما أوضحه تدخل زعيمة الحزب العمالي الجزائري، عندما أشارت إلى أن قضية الصحراء هي فقط ناتجة عن تدخل أجنبي في المنطقة· وهذا ما تفهمه أيضا القيادة الجزائرية، وهو ما تزكيه عن وعي وسبق إصرار وترصد·
وسبق للمفكر المغربي عبد الله العروي أن أثار هذه القضية في كتابه حول الصحراء المغربية، نشر في أواسط السبعينات، يؤكد فيه، عبر تحليل تاريخي رائع، كيف أن بعض البلدان المستعمَرة التي لم تكن تتوفر على مقومات دولة قبل دخول الاستعمار، تتبنى، في سياستها الخارجية، استراتيجية البلد المستعمِر حتى لو حصلت على استقلالها، مثلما هو الشأن بالنسبة للجزائر الآن، وخاصة في قضية الصحراء·
وهذا هو الجانب الثاني المهم في تدخل لويزا حنون، حيث أن المغرب كان ومازال بلدا مستهدفا في وحدته من طرف الاستعمار، ولذلك حصل تقسيمه بين فرنسا وإسبانيا، وتم اقتطاع أجزاء من أراضيه وضمها للجزائر· وما يتم الآن من دعم للأطروحة الانفصالية يأتي أساسا من تدخلات قوى أجنبية وبلدان أخرى أغلبها تقع ضحية للمخطط الجزائري الذي يمول كل ما يسمى بالمنظمات المساندة للشعب الصحراوي عبر العالم، ويمول دبلوماسية الانفصاليين ويصرف أموالا طائلة لشراء بعض البلدان، وملايين الدولارات لتمويل تحركات دبلوماسيته ضد المغرب·
ويأتي هذا التمويل من مداخيل ثروات الشعب الجزائري، حيث تصرف دولة هذا البلد، لدعم سياستها الخارجية ضد المغرب، أموالا لا تحصى، وتشتري بملايير الدولارات ترسانة من الأسلحة لتغيير التوازن العسكري الاستراتيجي في المنطقة لصالحها·
وعندما تثير لويزا حنون موقف بلادها من قضية الصحراء المغربية، فإنها تثيره ليس فقط لانتقاد السياسة الخارجية الجزائرية، بل أيضا لأنها تعلم كم يكلف هذا النزاع، الشعب الجزائري من أموال هو في أشد الحاجة إليها، لحل مشاكل الفقر والبطالة والصحة والسكن والتعليم··· فالجزائر هي البلد العربي الوحيد الذي له ثروة بترولية وغازية هائلة، ولكن شعبه يعيش في أقصى درجات الفقر والحاجة·
أما النقطة الثالثة التي يثيرها تدخل لويزا حنون، فهي إشكالية بناء المغرب العربي، إذ لا يمكن تصور الشروع في هذا البناء مادامت الجزائر تسعى إلى تفكيك دوله·
وتتحمل الجزائر أمام التاريخ مسؤولية كبيرة في عرقلة هذا المشروع· لكن حكامها يعلمون أن الدخول في دينامية إيجابية في المنطقة، يعني انتهاء سياستهم الخارجية التي تجلب لهم دعم قوى أجنبية كبرى أولا، وتسويق صورة البلد المدافع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها ثانيا·
ويعلمون أيضا أن الدخول في دينامية إيجابية سيطرح عليهم إشكالية سياسية خطيرة تهدد هيمنة العسكر وتعطي للقوى المعارضة ولقوى المجتمع المدني قوة التحرك الحقيقي داخل الشعب، خارج تسلط الحزب الوحيد·
وقد سبق لزعيم جبهة القوى الاشتراكية الحسين آيت أحمد وللرئيس الأسبق للجزائر أحمد بن بلا ولزعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ عباسي مدني نفسه أن انتقدوا موقف بلادهم من قضية الصحراء المغربية· مما يؤكد أن موقف الأحزاب والمجتمع الجزائري لا علاقة له بموقف الدولة والعسكر· غير أن الدخول في حملة سياسية ضد الإستراتيجية الجزائرية تجاه المغرب، يعني مواجهة حقيقية، كان قد أدى ثمنها من حياته، الرئيس محمد بوضياف·

يونس مجاهد

الإتحاد الإشتراكي